فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ}.
تركوا ما وعظوا به {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء} أي المعصية {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} أي عاقبنا باعتدائهم في السبت واستحلالهم ما حرم الله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} شديد وجيع من البأس وهو الشدة والفعل منه بَؤس يبَئوسُ، فاختلف القراء فيها فقرأ أهل المدينة بِيْس بكسر الباء وجزم الياء من غير همزة على وزن فعل، وقرأ ابن عامر كذلك على وزن فِعْل إلاّ أنّه الهمزة.
وقرأ عاصم: في رواية أبي بكر: بَيْئس بفتح الباء وجزم الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل مثل صيقل ويثرب.
كما قال الشاعر:
كلاهما كان رئيسًا بيئسا ** يضرب في الهيجاء منه القونسا

وقرأ بعضهم: بَيئِس بفتح الباء وكسر الهمزة على وزن فعل مثل حذر كقول ابن قيس الرقيات:
ليتني ألقى رقيّة في ** خلوة من غير ما بيئس

وقرأ الحسن: بكسر الباء وفتح السين على معنى بيئس العذاب.
وقرأ مجاهد: بايئس على وزن فاعل وقرأ أبو أياس بفتح الباء والياء من غير همزة.
وقرأ نصر بن عاصم: بيئس بفتح الباء وكسر الياء مشددًا من غير همزة.
وقرأ بعض أهل مكة بئيس بكسر الياء والهمزة كما يقال: بعر للبعير. وقال أهل اللغة: كل فعل ثانية أحد حروف الحلق فإنّه يجوز كسر أوّله مثل بِعير وصغير ورحيم وحميم وبخيل، وقرأ الباقون بئيس على وزن فعيل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأن فعيلًا أشبهه بصفات التعريف كقول ذي الاصبع العدواني:
لقد رأيت بني أبيك ** محمجين إليك شوسًا

حنقًا عليّ ولن ترى ** لي فيهم أثرًا بئيسًا

. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُوا بِهِ}.
نسوا يعني تركوا، والذي ذكروا به أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
{أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ} وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ} وهم الذين تركوا المعروف وفعلوا المنكر.
{بِعَذَابٍ بَئِيَس} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: شديد، قاله مجاهد.
والثاني: رديء، قاله الأخفش.
الثالث: أنه العذاب المقترن بالفقر وهو البؤس.
وأما الفرقة الثالثة التي لم تنه ولم تفعل ففيها قولان:
أحدهما: أنها نُجِّيَتْ مع الذين نهوا.
والثاني: ما قاله ابن عباس: لا أدري ما فعل بها. اهـ.

.قال ابن عطية:

والضمير في قوله: {نسوا} للمهنيين وهو ترك سمي نسيانًا مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك. و{ما} في قوله: {ما ذكروا به} معنى الذي، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر، و{السوء} لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت، و{الذين ظلموا} هم العاصون، وقوله: {بعذاب بئيس} معناه مؤلم موجع شديد، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما {بَيْسٍ} بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله صلى الله عليه وسلم: «أنهاكم عن قيل وقال» وقرأ الحسن بن أبي الحسن {بيس} كما تقول بيس الرجل وضعّفها أبو حاتم، قال أبو عمرو: وروي عن الحسن {بئس} بهمزة بين الباء والسين، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجه {بَيْسٍ} بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم {بَيَس} بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري {بَئِس} بفتح الباء وهمززة مكسورة وسين منونة على وزن فعل، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات: [المديد]
ليتني ألقى رقية في ** خلوة من غير ما بئس

قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف، وروي عن نصر {بِيس} بباء مكسورة من غيرهم، قال الزهراوي وروي عن الأعمش {بئِّسٍ} الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة، وقرأت فرقة {بئس} كالتي قبل إلا فتح السين، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه {بئيسٍ} بباء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير، ونحو ذلك، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم، ومنه قول ذي الأصبع العدواني: [مجزوء الكامل]
حنقًا عليّ ولا أرى ** لي منهما نشرًا بئيسا

وقرأ أهل مكة {بئيس} كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم: هما لغتان، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه {بَيْئسَ} بفتح الباء وسكون الياء وفتح
الهمزة على وزن فيعَل ومعناه شديد، ومنه قول امرئ القيس بن عابس الكندي: [الرجز]
كلاهما كان رييسًا بَيْئَسا ** يضرب في يوم الهياج القونسا

فهي صفة كضيغم وحيدر، وهي قراءة الأعمش، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه {بَيْئِس} كالتي قبل إلا كسر الهمزة على وزن فيعِل، وهذا شاذ لأنه لا يوجد فعِل في الصحيح وإنما يوجد في المعتل مثل سيد وميت، وقال الزهراوي: روى نصر عن عاصم {بيْس} على مثال ميت وهذا على أنه من البوس لا أصل له في الهمز، قال أبو حاتم زعم عصمة أن الحسن والأعمش قرءا {بِئْيَس} الباء مكسورة والهمزة ساكنة والياء مفتوحة على مثال خِدْيَم، وضعفها أبو حاتم، وقرأ ابن عامر من السبعة {بِئْسٍ} بكسر الباء وسكون الهمزة وتنوين السين المكسورة وقرأت فرقة {بَأْس} بفتح الباء وسكون الألف، وقرأ أبو رجاء {بائِس} على وزن فاعِل، وقرأ فرقة {بَيَسَ} بفتح الباء والياء والسين على وزن فَعَلَ، وقرأ مالك بن دينار {بَأْسَ} بفتح الباء والسين وسكون الهمزة على وزن فَعْلَ غير مصروف، وقرأت فرقة {بأس} مصروفًا، وحكى أبو حاتم {بيس} قال أبو الفتح هي قراءة نصر بن عاصم، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة {بِيِس} بكسر الباء وبهمز همزًا خفيفًا.
قال القاضي أبو محمد: ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة، وقوله: {بما كانوا يفسقون} أي لأجل ذلك وعقوبة عليه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فلما نسوا ما ذكِّروا به} يعني تركوا ما وُعظوا به {أنجينا الذين ينهَوْن عن السوء} وهم الناهون عن المنكر.
والذين ظلموا هم المعتدون في السبت.
قوله تعالى: {بعذاب بئيس} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {بئيس} على وزن فعيل، فالهمزة بين الباء والياء.
وقرأ نافع: {بِيسٍ} بكسر الباء من غير همز.
وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه همز.
وروى خارجة عن نافع: {بَيْسٍ} بفتح الباء من غير همز، على وزن فَعْلٍ.
وروى أبو بكر عن عاصم: {بَيْأسٍ} على وزن فَيْعَلٍ.
وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأيوب: {بَيْآسٍ} على وزن فَيْعالٍ.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، ومعاذ القارئ: {بَئِسٍ} بفتح الباء وكسر الهمزة من غير ياء على وزن نَعِسٍ.
وقرأ الضحاك، وعكرمة: {بَيِّسٍ} بتشديد الياء مثل: قيِّم.
وقرأ أبو العالية، وأبو مجلز: {بَئِسَ} بفتح الباء والسين وبهمزة مكسورة من غير ياء ولا ألف على وزن فَعِلَ.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو رجاء: {بائسٍ} بألف ومَدّة بعد الباء وبهمزة مكسورة بوزن فاعِلٍ.
قال أبو عبيدة: البئيس: الشديد.
وأنشد:
حَنَقًا عَليَّ وما تَرَى ** لي فيِهمُ أثرًا بَئيسَا

وقال الزجاج: يقال: بَئس يبأس بأسًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ}.
والنسيان يطلق على الساهي.
والعامد: التارك؛ لقوله تعالى: {فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} أي تركوه عن قصد؛ ومنه {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].
ومعنى {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد.
وفيه إحدى عشرة قراءة: الأُولى قراءة أبي عمرو وحمزة والكِسائيّ {بئيس} على وزن فعيل.
الثانية قراءة أهل مكة {بِئيس} بكسر الباء والوزن واحد.
والثالثة قراءة أهل المدينة {بِيْسٍ} الباء مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها سين مكسورة منوّنة، وفيها قولان.
قال الكسائي: الأصل فيه {بِيِيس} خفيفة الهمزة، فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوّله؛ كما يقال: رَغِيف وشهيد.
وقيل: أراد {بئس} على وزن فِعل؛ فكسر أوله وخفف الهمزة وحذف الكسرة؛ كما يقال: رَحِم ورِحْم.
الرابعة قراءة الحسن، الباء مكسورة بعدها همزة ساكنة بعدها سين مفتوحة.
الخامسة قرأ أبو عبد الرحمن المقرئ {بَئِسٍ} الباء مفتوحة والهمزة مكسورة والسين مكسورة منوّنة.
السادسة قال يعقوب القارىء: وجاء عن بعض القراء {بعذاب بَئِسَ} الباء مفتوحة والهمزة مكسورة والسين مفتوحة.
السابعة قراءة الأعمش {بَيْئسٍ} على وزن فيعل.
وروى عنه {بَيْأسٍ} على وزن فيعل.
وروى عنه {بَئِسٍ} بباء مفتوحة وهمزة مشددة مكسورة، والسين في كله مكسورة منوّنة، أعني قراءة الأعمش.
العاشرة قراءة نصر بن عاصم {بعذاب بَيّس} الباء مفتوحة والياء مشدّدة بغير همز.
قال يعقوب القارىء: وجاء عن بعض القراء {بِئيسٍ} الباء مكسورة بعدها همزة ساكنة بعدها ياء مفتوحة.
فهذه إحدى عشرة قراءة ذكرها النحاس.
قال عليّ بن سليمان: العرب تقول جاء ببنات بِيسٍ أي بشيء رديء.
فمعنى {بِعَذَابٍ بِيسٍ} بعذاب رديء.
وأما قراءة الحسن فزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها، قال: لأنه لا يقال مررت برجل بِئس، حتى يقال: بئس الرجل، أو بئس رجلًا.
قال النحاس: وهذا مردود من كلام أبي حاتم؛ حكى النحويون: إن فعلت كذا وكذا فبِهَا ونِعْمَتْ.
يريدون فبها ونعمت الخصلة.
والتقدير على قراءة الحسن: بعذاب بئس العذاب. اهـ.